«بريكس» في حقبة جديدة
نجح تكتل «بريكس» في تحقيق نمو اقتصادي كبير خلال الأعوام الماضية، في ظل قوة دول المجموعة اقتصادياً، والاستثمار في مشروعات طموحة تتجاوز الحدود لتمتد إلى مناطق مختلفة حول العالم، ومحاولات البحث عن خطوات بديلة لنظام التجارة الدولية، سواء باستخدام العملات الخاصة للدول الأعضاء في التبادل التجاري البيني، أو الشروع في استخدام عملة موحدة لدول المجموعة مستقبلاً.
ومع توسع «بريكس»، وانضمام دول واقتصادات ذات ثقل، مثل دولة الإمارات والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا، بداية عام 2024، بدأت حقبة جديدة في عمل التكتل، حيث زادت قوة دفع المجموعة الساعية إلى خلق توازن على الصعيد الدولي، وخاصة أن دول «بريكس» تزخر بمقومات هائلة على الساحة الدولية، من ناحية الاقتصاد الضخم الذي يمثل نحو 28% من العالم، أو التجارة الدولية التي تمثل 20%، أو الكتلة السكانية الأكبر في تجمّع دولي.
إن انضمام دول من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى «بريكس» يمثل نقلة تاريخية، وخاصة أن الدول المنضمة ذات ثقل جيوسياسي، وتمثل اقتصادات طموحة، وتعطي المجموعة قوة دفع تمكّنها من التغريد بعيداً عن الفرص المحدودة في المنظومة الاقتصادية الدولية، وتفتح الآفاق لتستطيع الدول من خلالها تبنّي استراتيجية للتجارة والاستثمار بين بعضها البعض، إضافة إلى تعزيز تنوع النظام المالي الدولي. وبمضاعفة أعضاء التكتل الاقتصادي الواعد، بات الآن لدى «بريكس» القدرة على أداء دور مهم وجاد في تحقيق التوازن الاقتصادي، وعلى الدول المنضمة حديثاً تنعقد الآمال في توسعة نشاطاتها الاستثمارية والتجارية بين دول المجموعة، مع استخدام العملات المحلية، ليزيد هذا التوسع قوة المجموعة في رسم الخريطة الاقتصادية الدولية.
وفي ظل رغبة كثير من الدول في الانضمام إلى «بريكس»، وعدم نجاح دول أخرى في الدخول إلى المجموعة، لاستغلال الفرص الكبيرة في هذا التكتل، فإن انضمام دول نفطية على رأسها الإمارات والسعودية، وفي ظل وجود روسيا بالمجموعة، يمثل فرصة كبيرة لزيادة التنسيق والشراكة في هذا الملف، ضمن تحالفات أبرزها «أوبك+».
إن تنسيق دول التكتل حول القضايا المشتركة في المحافل الدولية سيشكل تأثيراً إيجابيّاً لصالح المجموعة والعالم، حيث ستسهم الدول الأعضاء في تعزيز التعاون السياسي، والقدرة على تعزيز السلام في العالم، من خلال أداء دور أكثر فاعلية في حل النزاعات الدولية، سعياً إلى نظام أكثر تعددية وعدالة في رؤية القضايا الدولية.
انضمت دولة الإمارات إلى المجموعة، بغية دعم الاستثمارات الأجنبية وزيادة التجارة البينية مع دول المجموعة، وخاصة أن التكتل يضم اقتصادات الهند والصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومن ثَمَّ يمكن دعم الوصول إلى تلك الأسواق بشكل أكبر، وتنويع الاقتصاد وتعزيز تنافسيته إقليماً ودولياً، فتنوع العلاقات والشراكات الدولية ركيزة أساسية لخطط النمو الاقتصادي لدولة الإمارات تضمن نجاح مضاعفة التجارة الخارجية وحجم الاقتصاد.
إن «بريكس» منظومة تسعى لمستقبل عادل للنظام النقدي والتجارة الدولية، بفتح قنواتٍ لإدارة علاقات التبادل التجاري بشروط تفضيلية بين دول المجموعة، ووجود الدول العربية في هذا التجمع فرصة في التنسيق ككتلة في السياسة الدولية، ومنفذ جديد للشراكة مع دول العالم، بغية النمو والازدهار الاقتصادي، فضلاً عن أن التكتل يدعم توجهات دولة الإمارات في تنويع علاقاتها الدولية، والانفتاح على جميع اقتصادات العالم من دون استثناء، وبما يعزز فرص تحقيق الأهداف التنموية الطموحة للدولة في القرن الحادي والعشرين.
باحث رئيسي*
*مدير إدارة النشر العلمي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات